هذا من باب التحدي. فالأمر هنا {قُلْ فَأْتُوا} للتحدي وإقامة الحجة على ما ادَّعوه. (ائتوا بالتوراة) يعني هاتوها فاتلوها وانظروا أن ما قلته فهو حق، أي أن الطعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، ثم نسخ ما بقي الحل، بل نسخ حل أشياء كثيرة، كما قال عيسى:{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}[آل عمران: ٥٠]{بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ}: يعني هناك أشياء كثيرة حُرِّمت فأحل لهم عيسى بعض ما حرِّم.
{فَاتْلُوهَا} أنتم أيضًا لا نحن حتى لا تتهمونا بأننا حذفنا شيئًا وأضفنا شيئًا، اتلوها أنتم بأنفسكم حتى يتبين لكم أن ما جئت به هو الحق.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يعني فيما تدَّعونه من كذب ما جئتُ به، فأتوا بالتوراة فاتلوها. {إِنْ كُنْتُمْ} هذه الشرطية لتمام التحدي، كما أقول لك في الكلام العابر: إن كنت صادقًا فافعل كذا، فهذا من كمال التحدي وتمامه، وكان سبب هذا أن اليهود كانوا ينكرون ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقولون: إنك أحللت شيئًا، وحرَّمتَ شيئًا، والشرائع لا تتبدل، ولا تتغيَّر؛ لأنها من عند الله، ولهذا كانوا يُنكرون النسخ، ويقولون: إن النسخ في أحكام الله مستحيل؛ لأن النسخ إما أن يكون لحكمة أو عبثًا، فإن كان عبثًا فالله منزَّه عنه، وإن كان لحكمة لزم منه أن الله تعالى تظهر له الحكمة بعد أن كانت خافية عليه، وهذا يلزم منه الظهور بعد الجهل، وهو أيضًا مستحيل على الله، ولهذا كذَّبوا عيسى، وكذَّبوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، لأن هذا نسخ، والنسخ على الله مستحيل، لا يمكن أن تنسخ الشرائع، فقيل لهم: هاتوا التوراة، والتوراة