للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ} ومعلوم أن الله أقره على ذلك، وهذا تشريع من الله.

٢ - الرد على اليهود الذين زعموا أنه لا نسخ في الشرائع.

فإن قال قائلٌ: هم يقولون لا نسخ في الشرائع، ويعللون بعلة تبدو وكأنها صحيحة، يقولون: إن كان لغير حكمة فهو عبثٌ وسفَه منزه الله عنه، وإن كان لحكمة لزم أن تكون هذه الحكمة مجهولة لله في الناسخ أو في المنسوخ، وهذا يستلزم أن يكون الله جاهلًا، ظهر له العلم من بعد أن كان خفيًّا عليه.

وجوابنا عن ذلك: أن نقول: إن النسخ لا يستلزم لا هذا ولا هذا، بل إن النسخ لحكمة، لكن هذه الحكمة تَتْبع مصالح العباد، والعباد مصالحهم تختلف، قد يكون من المصلحة أن يُشرّع لهم الحل في هذا الزمن، والتحريم في زمن آخر، قد تكون هذه الأمة من المصلحة أنْ يُشرَّع لها الحل، والأمة الأخرى من المصلحة أن يُشرَّع لها التحريم، فهنا الحكمة لا تتعلق بفعل الله، ولكن تتعلق بالمخلوق الذي شُرِّع له هذا الحكم، وهذا أمر يختلف بلا شك.

فمثلًا: الناس في بدء الإسلام لا يتحملون جميع شرائع الإسلام، ولهذا جاءت الشرائع بالتدريج، بقي النبي عليه الصلاة والسلام عشر سنوات لا يجب على الناس لا صلاة، ولا زكاة، ولا صوم، ولا حج، عشر سنوات بعد البعثة كل هذا لتقرير التوحيد؛ لأن قلوب الناس في ذلك الوقت لا تحتمل أن يُضاف إلى تحقيق التوحيد شيء آخر، ثم شُرعت الصلاة، ثم شُرعت الزكاة، ثم شُرع الصوم، ثم شُرع الحج في آخر الأمر، كل هذا من أجل مراعاة أحوال الناس، وكذلك في الخمر، كان حلًا، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>