من باب الالتفات والكلام من متكلم واحد، أو هذا من باب الاستئناف وهو من الله لا من قول الراسخين في العلم؟ على قولين للمفسرين:
١ - منهم من قال: إن قوله: {لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} من كلام الله، وليس فيه التفات على هذا التقدير.
٢ - ومنهم من قال: إنه من كلام الراسخين في العلم، وعلى هذا التقدير يكون فيه التفات.
ولكل منهما مرجح، فمن رجَّح الأول قال: إن الالتفات خروج بالكلام عن المألوف، والأصل عدمه، وعليه فيكون الكلام من كلام الله.
ومن قال: إنه من كلام الراسخين وفيه التفات قال: لأن الأصل أن الكلام من متكلم واحد، لاسيما وأن بعضهم مرتبط ببعض {إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ}، {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} فهو مرتبط بعضه ببعض، وهذا القول عند التأمل أرجح، وتكون فائدة الالتفات:
أولًا: تنبيه المخاطب، لأنه إذا كان الكلام على نسق واحد بقي الإنسان منسجمًا معه لا يتفطن، وتمرُّ به الأشياء، فإذا اختلف أسلوب الكلام وتغيَّر عليه الأسلوب فحينئذ ينتبه.
ثانيًا: أما من حيث المعنى فلأن مجيئه بصيغة الغائب أبلغ في التعظيم، كأنَّ الربَّ عزّ وَجَلَّ الذي هو الله، وهو ملك عظيم سبحانه وتعالى يتحدث عنه بصيغة الغائب تعظيمًا وتفخيمًا، كما يقول الملك الذي يعظم نفسه للجنود: إن الملك يأمركم بكذا وكذا، أو يقول القائد: إن القائد يأمركم بكذا وكذا، بدل أن