للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - إثبات الأسباب، يؤخذ من قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} لأن الباء للسببية. والناس في إثبات الأسباب طرفان ووسط، منهم من أنكر الأسباب رأسًا، وقال: إن الأسباب ليس لها تأثير إطلاقًا، ومنهم من أثبت تأثير الأسباب بنفسها، ومنهم من توسَّط وقال: إن الأسباب مؤثرة لا بنفسها ولكن بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة، وهذا القول هو الصحيح وهو الحق، مثال ذلك: لو أن شيئًا ألقي في النار فاحترق بها، فالذين أنكروا الأسباب قالوا: إن هذا الاحتراق لم يحصل بالنار إنما حصل عندها حين ملامسة النار احترق، أما النار نفسها فإنها لا تحرق. ومنهم من قال: بل النار أحرقت بطبيعتها فهذه هي الطبيعة، ومنهم من قال: بل أحرقت النار ما يلقى فيها بما أودعها الله تعالى من القوى المحرقة. وهذا الأخير هو الحق بلا شك. ويدل على هذا أن النار التي ألقي فيها إبراهيم لم تحرقه بل كانت بردًا وسلامًا عليه، ولو كانت الأسباب مؤثرة بطبيعتها لأحرقته بكل حال، والذين أنكروا الأسباب هم في الحقيقة طاعنون في حكمة الله تعالى مدَّعون أن الله ليس له حكمة؛ لأن ربط المسببات بأسبابها هو عنوان الحكمة، فإذا قيل: ليس هناك سبب يؤثر، فهذا طعن في حكمة الله تعالى، والعجيب أن هؤلاء أنكروا الأسباب ظنًّا منهم أن إثباتها يستلزم الإشراك بالله تعالى، يقول: إنك إذا أثبتّ أن السبب فاعل أو أن السبب مؤثر فقد جعلت مع الله خالقًا، وهذا شرك لأنك مثلًا إذا قلت: إن النار هي التي أحرقت، معناه أن النار فاعلة للإحراق فيكون هذا شركًا بالله عزّ وجل، فيقال: نحن لا نقول: إن النار مستقلة في الإحراق، بل هي محرقة بما أودع الله فيها من قوة الإحراق، لا أنها بنفسها المحرقة. وكذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>