للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليست للعطف ولكنها للاستئناف والتقدير: (ثم هم لا ينصرون) ولابد من هذا التقدير؛ لأنها لو كانت عطفًا على قوله: {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} لجزمت ولقيل: "ثم لا ينصروا" وحينئذٍ يفسد المعنى؛ لأنه لو كان انتفاء النصر عنهم حين يقاتلوننا لأمكن لقائلٍ أن يقول: إنهم ينتصرون بعد ذلك، ولصار انتفاء النصر مقيدًا بما إذا قاتلونا, ولكن الأمر ليس كذلك، إنهم لا ينصرون أبدًا سواء قاتلونا أم لم يقاتلونا, ولهذا قال: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} فتبين الآن أن "ثم" هنا ليست عاطفة ولكنها استئنافية، والفعل بعدها مرفوع لأنها جملة مبتدأ بها لم تعطف على منصوب ولا مجزوم.

وقوله: {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} النصر هو المنعة والقوة والصرف وما أشبه ذلك. فمعنى "نَصَرْتُهُ" أي: صرفت عنه عدوه، وأيَّدتُهُ وقوَّيتُهُ، هذا معنى النصر، فهؤلاء لا ينصرون أبدًا. ولكن قد يقول قائل: إنه جرت حروب بين المسلمين وبين النصارى، وبين المسلمين وبين اليهود؛ فنُصِر النصارى على المسلمين، واليهود على المسلمين والجملة {لَا يُنْصَرُونَ} جملة خبرية، وخبر الله عزّ وجل لا يمكن إخلافه فما هو الجواب؟

من العلماء من قال: إن هذا في اليهود وإن اليهود ما انتصروا يومًا من الدهر على المسلمين أبدًا، بل من هزيمة إلى هزيمة، هزموا في المدينة بني قينقاعٍ وبني النضير وبني قريظة، وهزموا في خيبر بني النضير ولم يقم لهم قائمة أمام المسلمين، وبناءً على هذا نقول: إن الآية خاصة باليهود أما النصارى فلم تتعرض لهم الآية. ولكننا نجيب بجواب أصح من هذا فنقول: الخطاب للمسلمين حين كانوا يمثلون الإِسلام بالعقيدة والقول

<<  <  ج: ص:  >  >>