للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العالمية. وحينئذٍ تبقى الآية محكمة غير منسوخة باقية إلى يوم القيامة، لكن المشروط يتوقف على الشرط، فانتفاء الضرر موقوف على وجود شرطه وهو أن نطبق سيرة من وعدوا بهذا الوعد وهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

وقوله: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}:

يعني لو فُرض وحصل بين المسلمين وبين أهل الكتاب قتال ولَّووا الأدبار {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: ١٤] ولكن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن كان على مثل هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ} عندنا شرط وجوابه، الشرط المقاتلة، والجواب تولي الأدبار، فهم بمجرد ما يحصل بيننا وبينهم لقاء وقبل أن يصل أول سهم إليهم -والله أعلم- يفرون ويولون الأدبار، وهنا يقول: {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} أي: يجعلون الأدبار تليكم وهو كناية عن الانهزام؛ لأن المنهزم يولي ظهره المنهزمَ منه، ولهذا قال عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - حينما حُوصر في مكة قال منشدًا:

ولسنا على الأعقاب تُدمى كلومُنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما

الذي تقطر الدماء أقدامه مقبل، والذي تُدمى أعقابه مدبر.

وقوله: {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} حذفت منها النون لأنها وقعت جواب الشرط.

قال: {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}:

(ثم) للمهلة والتراخي، و (لا ينصرون) فيها النون وهو محل إشكال؛ لأن (ثم) حرف عطف و {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} معطوف عليه، والمعطوف على المجزوم يكون مجزومًا، ولكن نقول: (ثم) هنا

<<  <  ج: ص:  >  >>