للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} لم يبين الضارب ولكنه معلوم وهو الله عزّ وجل، فأبهمه للعلم به كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] مع أن الله هو الذي خلقه، ولكن من طريقة القرآن أن الأشياء غير المرغوبة يعبر الله عنها بصيغة الفعل المبني للمجهول، بخلاف الأشياء المرغوبة فيعبر عنها باسم الفاعل كقوله تعالى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: ١٠] وقوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} الذي ضربها هو الله عزّ وجل، وسمَّى ذلك ضربًا كالضرب على النقود الذي يبقى منطبعًا لا يزول بمسح الأيدي، فكأن هذه الذلة مطبوعة عليهم لا يمكن أن تتغير. وهنا يقول: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} الضمير يعود على أهل الكتاب، ولكن هل المراد أهل الكتاب من اليهود والنصارى أم أنه خاص باليهود؟ اختلف في هذا أهل العلم فقال بعضهم: إنه خاص باليهود. وقال بعض العلماء: بل هو عام، والأصل العموم؛ لأن الضمير عليهم يعود على أهل الكتاب المذكورين في قوله: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [آل عمران: ١١٠] فنقول: الضمير يعود على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وإذا قُدِّر أنه صار لهم عز في وقت من الأوقات فإنما ذلك لسبب يقتضيه، فهو خلاف الأصل وإلا فالأصل أن الذلة مضروبة عليهم.

وقوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} الذلة هنا بمعنى الإهانة، أي: أن الله تعالى أهانهم.

وقوله: {الذِّلَّةُ} على وزن (فِعْلَة) وهي تختلف عن الذُّل لأنها تدل على ذِلة معينة مخصوصة، قال ابن مالك:

<<  <  ج: ص:  >  >>