للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها برودة عظيمة ولها صرير من شدتها أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم، فالتشبيه مركب الآن من ريح شديدة باردة أصابت حرث قوم يعني مصيبٌ ومُصاب، أي زرعهم، {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم} أي استحقوا أن يعذبهم الله عزّ وجل بهذه الريح فأهلكته، فإذا هبت الريح العاصفة الباردة القوية انتقاما من بني آدم فإنها سوف تهلك هذا الحرث، ووجه الشبه ظاهر؛ لأنهم سُلطوا على أموالهم تسليطًا عظيمًا لكن لم ينتفعوا بهذا التسليط وعادت هباءً كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: ٣٦] هذه حال الكفار إذا أنفقوا أموالهم لن ينتفعوا بها إطلاقًا، كمثل ريح فيها صِرٌّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته، {فِيهَا صِرٌّ} أي أنها مشتملة على الصرِّ، وفسرنا الصرَّ بأمرين: البرودة وشدة الصوت، لها صرير من شدتها وباردة، هذه لا تبقي على الزرع ولا تذر، فأهلكتهم.

قال تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ}:

يعني ما ظلمهم الله عزّ وجل حين سلطهم على إهلاك أموالهم بدون أن ينتفعوا بها؛ لأن الله تعالى لا يظلم الناس شيئًا.

{وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}:

هم الذين يظلمون أنفسهم بكفرهم بآيات الله، ولا أحد أجبرهم على هذا الكفر، وإذا فعل الإنسان الشيء من نفسه فلا يلومن إلا نفسه.

وقوله: {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}:

يظلمون أنفسهم هذه مفعول مقدم، وعلامة ذلك أنه لو كان

<<  <  ج: ص:  >  >>