الثالث: أن تجتنب فيه محارم الله، فإن لم تجتنب فيه محارم الله، فإنه وإن كان أصله في سبيل الله لكن لا تتحقق فيه الغلبة والنصر. بدليل ما وقع للمسلمين في غزوة أُحد؛ فإن المسلمين في غزوة أُحد كان الأمر في أول النهار بأيديهم، والغلبة لهم، ولكنهم عصوا الرسول عليه الصلاة والسلام، فخذلوا، فكانت الدائرة للمشركين. يقول الله عزّ وَجَلَّ:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: ١٥٢].
{مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}: يعني حصلت الهزيمة للمشركين {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} أي: صرف الله عزّ وَجَلَّ المسلمين عنهم فلم يقاتلوهم.
{لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ}: بعد هذا التقريع والتوبيخ الذي يتعظ به من يأتي بعدهم قال بعده: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} ونحن لو فعلنا كما فعلوا، هل نحن ضامنون أن يعفو الله عنا؟ لكن الصحابة عفا الله عنهم، وصار ما فعلوه كأن لم يكن.
وقوله:{وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}:
ولم يقل الله عزّ وَجَلَّ تقاتل في سبيل كذا. وهذا من باب الاكتفاء بأحد الوصفين عن الآخر، الأولى: قال: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولم يقل: فئة (مؤمنة) تقاتل في سبيل الله. والأخرى قال:{كَافِرَةٌ} ولم يقل: تقاتل في سبيل الطاغوت. فحذف من الأولى مقابل ما ذكر في الثانية. حذف من الأولى