للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التغاير في الصفة وفي اللفظ وفي المعنى، فإذا قلنا: قدم زيدٌ وعمرٌو، فهنا عطف يقتضي المغايرة في الذات؛ لأن هذا غير هذا بلا شك. وفي هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} المغايرة في الصفة، فهي كقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: ١ - ٤] فالذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى هو الله، لكن هذا عطف صفة على صفة. والتغاير في اللفظ مثل قول الشاعر:

فألفى قولها كذبًا ومَيْنا

المَيْنُ هو الكذب، ولكنه عطف عليه من باب عطف المترادفين، ولهذا لا يأتي في اللغة العربية كذبًا وكذبًا، إنما يأتي كذبًا ومينًا، فلابد من التغاير في اللفظ. والتغاير في المعنى قريب من التغاير في الصفة. والذي معنا الآن قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} من باب تغاير الصفة.

والفاحشة ما يستفحش شرعًا أو عرفًا مثل الزنا، فإن الزنا فاحشة شرعية وفاحشة عرفية. كذلك اللواط فاحشة شرعية وعرفية. قال لوط لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: ٨٠] كذلك نكاح ما نكح الآباء هو أيضًا فاحشة {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: ٢٢] أو عادة، ولكن في باب الثواب والعقاب المرجع إلى الشرع، ولهذا قال بعض العلماء: المراد بالفاحشة الكبيرة.

وقوله: {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} المراد به ما دون الفاحشة وهي الصغائر، وعلى هذا فالعطف بين قوله: {فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>