للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْفُسَهُمْ} عطف بين متغايرين، وليس من باب عطف العام على الخاص، وإن كانت الفاحشة لا شك أنها داخلة في ظلم النفس، لكن المراد هنا التنويع، وإذا كان المراد التنويع لزم أن يكون كل نوع سوى النوع الآخر.

وقوله: {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} قد يقول قائل: كيف يتصور أن الإنسان يظلم نفسه، الإنسان يدفع عن نفسه الظلم فكيف يظلم نفسه؟

والجواب على ذلك أن نقول: كل من خالف أمر الله بفعل محرم أو ترك واجب فقد ظلم نفسه، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] لماذا؟ لأن النفس عندك أمانة تجب عليك رعايتها، وقد أوصاك الله بها فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]. وقال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] فنهى عن قتل النفس وعن ظلم النفس لأنها أمانة عندك.

ومن المناسب أن نورد قول العلماء: إن الله أرحم بك من أبيك وولدك ونفسك، أما كونه أرحم بك من أبيك فإن الله قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] فأوصى الآباء والأمهات بالأولاد، إذن فهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، وأما بالعكس أن يكون أرحم بك من أبنائك، فقال: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت: ٨] وأما أرحم بك من نفسك فلأن الله قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] وقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥].

إذن نقول: وجه كون الإنسان ظالم لنفسه أن نفسك عندك أمانة، فإذا فرطت في هذه الأمانة بأن أقحمت نفسك فيما حرم الله

<<  <  ج: ص:  >  >>