وظلم النفس هو في الواقع ظلم في حق الغير؛ لأن ظلم النفس إما في حق يتعلق بالله عزّ وجل، وإما في حق يتعلق بالمخلوق، فإن كان في حق الله فإنك ظالم في حق الله، وإن كان في حق المخلوق فإنك ظالم في حق المخلوق، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم"(١). ولهذا نعرف أن من ظلم نفسه فقد ظلم ثلاثة: ظلم نفسه, وظلم حق الله عزّ وجل, وظلم المخلوق؛ لأن هذه كلها تتعلق بأوامر الله ونواهيه.
وقوله تعالى:{ذَكَرُوا اللَّهَ} أي: ذكروا الله باللسان وبالجوارح وبالقلب.
أما ذكر الله بالقلب فإنه إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا عظمة الله وما أعد للمخالفين من العقاب، وذكروا كذلك رحمة الله وما أعد للطائعين من الثواب، هذا ذكر بالقلب، فإذا ذكروا الله بالمعنى الأول ذكروا عظمته فخافوا من عقابه واستقاموا على دينه هربًا من عقابه، وإذا ذكروا الله بالمعنى الثاني وهو ذكر رحمته وثوابه فإنهم يستقيمون على شرعه طلبًا للوصول إليه، فذكر الأول من باب الهرب، وذكر الثاني من باب الطلب، والعابد بمقتضى الطلب أعلى حالًا من العابد بمقتضى الهرب، قالوا: لأن الطالب ناصح في غيبة المطلوب وفي حضوره، والهارب ناصح في حضور المخوف لكن في غير حضوره لا يهتم، ويمكن أن يؤخذ هذا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
(١) رواه البخاري، كتاب الحوالات، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة؟ رقم (٢٢٨٧). ورواه مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة، رقم (١٥٦٤).