للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحنة، كذلك البول، الغائط، السمع، البصر إلى غير ذلك، نعمٌ كثيرة لا يقابلها العمل، وقد قال بعض الشعراء:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... عليَّ له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر (١)

فإذا وفقت للشكر وشكرت الله فهي نعمة؛ لأن الله قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] وما أكثر الذين كفروا نعمة الله، ثم إذا شكرت الله قلنا إنها نعمة تحتاج أيضًا إلى شكر آخر، فإذا وفقت لشكر الشكر فهو نعمة ثالثة تحتاج إلى شكر وهلم جرا، ولهذا قال:

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العُمْرُ

والمصرُّ هو الذي يبقى على الذنب وكأنه ليس بذنب، أما الإنسان الذي يتوب ثم تغلبه نفسه في المستقبل ويفعل المعصية فهذا ليس مصرًّا، ولهذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أن رجلًا أذنب فاستغفر الله، ثم أذنب فاستغفر الله، ثم أذنب فاستغفر، ثم أذنب فاستغفر، فقال الله تعالى: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" (٢). فكون الإنسان كلما أذنب استغفر، وكلما استغفر عاد فأذنب لا يبطل توبته الأولى.

وهل إذا تاب من ذنب وهو مصرٌّ على آخر تقبل توبته من هذا الذنب أو لا؟


(١) البيتان للشاعر محمود الوراق. انظر: كتاب الصناعتين الكتابة والشعر (١/ ٢٣٢)، وكتاب المستظرف (١/ ٥٠٣)، وكتاب تاريخ دمشق (٥/ ١٩٠).
(٢) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ. . .} رقم (٧٥٠٧). ورواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم (٢٧٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>