ارتحالًا في الأرض من أجل مسألة واحدة، والسفر في ذلك الوقت ليس كالسفر في وقتنا هذا، كان فيه مشقة، وفيه أخطار كبيرة.
أما السفر لا لهذا ولا لهذا مثل سفر بعض الناس للاستجمام والنزهة في أيام الإجازة -إجازة الأعياد وما أشبهها- وهذا نقول: ليس فيه بأس في الأصل، لكن قد يكون مفضيًا إلى خير فيكون خيرًا، كما لو كان في هذا السير صلة رحم، أو بر الوالدين أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون في هذا الحال أمرًا مطلوبًا.
وهنا مسألة: وهي إذا سار في الأرض لأمر شرعي كالعلاج لكن صاحبه أمر محرم فهل يمنع من هذا السير؟
الجواب: أنه إذا كان لا يمكن أن يسير للعلاج إلا بارتكاب هذا المحرم صار هذا حرامًا، وذلك لأن العلاج بالمحرم حرام؛ لأن ارتكاب المحرم ضرر محقق، والشفاء من المرض مصلحة متوقعة غير متيقنة، ولولا هذا لقلنا: إن من احتاج إلى أكل لحم الخنزير للعلاج جاز له أن يأكله مع أنه لا يجوز، وهذا هو الفرق بين جواز أكل لحم الخنزير للجوع، وأكل لحم الخنزير للاستشفاء. الثاني حرام، والأول جائز؛ لأن أكل اللحم عند الجوع يفيد قطعًا، فإنه يدفع الجوع، ويسد رمق الإنسان، لكن علاجه بالمحرم قد ينجع وقد لا ينجع، فهو يرتكب مفسدة محققة لتوقع مصلحة موهومة، وإن شئت فقل راجحة أيضًا، لكن ليس الراجح كالمتيقن، ولهذا جاء في الأثر من قول ابن مسعود:"إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"(١).
(١) صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل.