للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في هذا قولان للمفسرين:

أ - فمنهم من قال: إنه عائد إلى القرآن، لجريان ذلك كثيرًا في كتاب الله، كقوله تبارك وتعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبياء: ٥٠] وما أشبه ذلك من الآيات التي فيها الإشارة التي تعود إلى القرآن نفسه. فتكون (هذا) أي القرآن بيانًا للناس.

ب - ومنهم من قال: إنه عائد إلى أقرب ما ذكر؛ لأن اسم الإشارة والضمير كلاهما يعودان على أقرب مذكور، ولكن الأول أولى أن يكون عائدًا إلى القرآن كله، ومنه هذه الآية؛ لأن هذه الآية من القرآن، فإذا جعلنا {هذا} هو يعود على القرآن كله صار من ضمنه ما ذكر في قوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣].

وقوله: {بَيَانٌ لِلنَّاسِ}. {بَيَانٌ} اسم مصدر، بيَّن، يبيِّن تبيينًا، مثل بدَّل يبدّل تبديلًا ومثل: كلَّم يكلِّم تكليمًا، واسم المصدر: كلام.

وقوله: {هَذَا بَيَانٌ} إذا قلنا إنه اسم مصدر فقد عبَّر باسم المصدر الذي هو البيان عن الموصوف بالبيان. وهذا من باب المبالغة أن يجعل الموصوف هو الصفة نفسها، كأننا سلبنا اتصافه بها حتى جعلناه هو نفس الصفة، ولهذا يقولون: إن قول القائل (فلان عدل) أبلغ من قولهم: (فلان ذو عدل) كأنه جعل هذا الموصوف هو الصفة. إذن القرآن ليس فيه البيان، بل هو نفسه البيان {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}.

كيف كان القرآن وهو عربي بيانًا للناس كلهم وفيهم العجم الذين لا يعرفون لغة العرب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>