للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تضعفوا وتجبنوا، ولا تحزنوا على ما أصابكم وأنتم الأعلون. فذكر الله سبحانه وتعالى حال إقدامهم وحال إدبارهم، حال إقدامهم نهاهم عن الضعف، وهذا يعطيهم قوة وإقدامًا، وحال إدبارهم نهاهم عن الحزن، وهذا يعطيهم إعراضًا عما وراءهم وعدم الالتفات إليه. ومعلوم أن الحزن يكون فيما يسوء، والحزن على ما مضى لا يفيد الإنسان، بل يفتر عزيمته، ويقلق راحته، ولا يستفيد منه بشيء، فلهذا نهاهم الله سبحانه وتعالى عما يعوقهم حال الإقبال، وعما يعوقهم حال الإدبار.

(لا تهنوا) عما يكون سببًا لتوقفهم في حال الإدبار؛ لأن الإنسان إذا حزن على ما مضى بقي قلقًا لا يحسن التصرف فنهاهم عن هذا وهذا.

ثم قال: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} وقد اختلف المفسرون في الواو هنا هل هي حالية أو استئنافية؟ .

إذا قلنا: إنها حال يعنى: والحال أنكم أنتم الأعلون، صار هذا النهي منحطًا على الأمة ما دامت هي العليا؛ لأن الأعلى لا يليق به أن يضعف أو يحزن. يعني فإذا انخفضت فلها أن تهن، ولها أن تحزن؛ لأنها ضعيفة لا يمكنها أن تتقدم، ولا يمكنها أن تتسلى عما مضى، لأنها كيف تتسلى وبأي شيء؟

وإذا جعلنا (الواو) استئنافية {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} يقرر الله فيها علو المؤمنين، وإذا تقرر علوهم فإن حالهم تقتضي أن لا يهنوا ولا يحزنوا، فيصير فيها تشجيع للأمة بأن لا يضعفوا ولا يحزنوا، لأنهم هم الأعلون حتى لو أصيبوا بما يصابون به فيما تقتضيه حكمة الله بمداولة الأيام بين الناس فإن العاقبة لهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>