للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمن بالعكس إن أصيب بالسراء أشر وبطر، وإن أصيب بضراء ضجر وتسخط، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أي: على طرف {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ}، والفتنة المراد بها هنا ضد الخير {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج: ١١] وكم من إنسان ارتد لأنه أصيب بمصيبة والعياذ بالله.

الحكمة الثالثة قال: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} انظر إلى هذا التعبير! لم يقل: وليوجد بل قال: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} فهؤلاء الشهداء اتخذهم الله واصطفاهم لنفسه جل وعلا، ولولا مثل هذه الهزيمة لم يكن شهداء، ولكن من أجل أن يتخذ منكم شهداء أي: يتخذ منكم أناسًا قتلوا في سبيل الله، وكم شهيد اتخذهم في غزوة أُحد؟ سبعون رجلًا. لولا هذا لم يكن هناك شهداء.

وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الظالمون هم الذين نقصوا حقَّ الله وحقَّ عباده؛ لأن الأصل أن معنى الظلم النقص؛ لقوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: ٣٣]، أي: لم تنقص. الظالم هو الذي نقص في حق الله وحق عباده بل وحق نفسه {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: ٥٧]، فالظالم لا يحبه الله، فإن كان ظلمه ظلم كفر فلا حظَّ له في محبة الله، وإن كان ظلمه دون ذلك فله من محبة الله بقدر ما معه من العدل، ومن كراهة الله بقدر ما معه من الظلم.

وقوله: {لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} قد يبدو غريبًا على القارئ مناسبة هذه الجملة لما قبلها {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} كيف هذا؟ فيقال: الجواب من وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>