للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ}: أي جعلت هذه الأشياء مزيَّنة في قلوبهم.

والمزيِّن هو الله، وقد أضاف الله التزيين إلى نفسه في عدة آيات: قال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: ١٠٨]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: ٤].

وأضاف التزيين إلى الشيطان، فقال: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل: ٢٤]. لكن تزيين الشيطان إنما كان بالنسبة لأعمال هؤلاء، يعني: زين لهم الأعمال، أما الأشياء المخلوقة فالذي يزينها هو الله عزّ وَجَلَّ ابتلاء واختبارًا، لأنه لولا تزيين هذه الأشياء في قلوب الناس ما عرف المؤمن حقًا. لو كان الإنسان لا يهتم بمثل هذه الأمور، لم يكن ما يصده عن دين الله. فإذا ألقي في قلبه حب هذه الشهوات، فإن قَوِيَّ الإيمان لا يقدمها على محبة الله عزّ وَجَلَّ. ألم تروا إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله" (١). هذا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلَّا ظله، والمرأة ذات المنصب والجمال هي من أشد ما يتعلق به الإنسان في النساء، ودعته في موضع خال ليس فيه أحد، لكن قال: إني أخاف الله، فالموانع منتفية، وأسباب الفاحشة موجودة متوفرة، ومع ذلك قال: إني أخاف الله. إذن فهذا التزيين ابتلاء واختبار من الله عزّ وَجَلَّ.

قال الله تعالى: {حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} ولم يقل حب


(١) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب فضل من ترك الفواحش، رقم (٦٨٠٦). ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم (١٠٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>