الفرق إذن يتضح بالمثال؛ إذا قلت: قال الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}[البقرة: ٦] متصلة لأنها ذكر فيها المعادل، ولأنها بمعنى (أو).
وإذا قلت:{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الطور: ٣٢] فهي منقطعة بمعنى (بل)، لأن أمر أحلامهم -يعني عقولهم- بهذا ليس معادلًا لكونهم طغاة، بل قال: أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم لم تأمرهم؟ الجواب: لم تأمرهم، ولكنهم قوم طاغون، هنا {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} منقطعة لأنه لم يذكر المعادل، ولأنها بمعنى بل والهمزة.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} أي أظننتم أن تدخلوا الجنة، والاستفهام هنا للتوبيخ، يعني: هل تظنون أن تدخلوا الجنة بلا اختبار، ولهذا قال:{وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، (الجنة) هي مأوى المتقين ودار الخلد جعلنا الله وإياكم من أهلها.
{وَلَمَّا يَعْلَمِ الله}(لمَّا) هنا جازمة، والدليل على جزمها أن الفعل جزم بعدها، لكن لما كان ما بعده ساكنًا كسر؛ لأنه على القاعدة التي أشار إليها ابن مالك في الكافية:
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق ... وإن يكن لَيْنًا فحذفه استحق
وقوله:{وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا}: الواو هنا حالية يعني والحال أن الله لا يعلم الذين جاهدوا منكم. و (لما) تأتي على أربعة أوجه في اللغة العربية وقد ذكرناها فيما سبق، وهي هنا حرف نفي وجزم، ويفرق بينها وبين (لم) بأن مدخولها يترقب الحصول كقوله تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[ص: ٨] أي لم