للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذوقوه ولكنه قريب، وهنا قال: {وَلَمَّا يَعْلَمِ} أي أن الله لم يعلم ولكن علمه بذلك قريب.

وقوله: {جَاهَدُوا} أي بذلوا جهدهم في إعلاء كلمته بالقتال في سبيله. والعلم هنا ليس كالعلم الأول، فإن علم الله عزّ وجل نوعان: أزلي سابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وعلم بما حصل بعد حصوله، وهذا هو الذي يترتب عليه الثواب والعقاب، ويسميه بعض العلماء علم ظهور، أي: يعلمه ظاهرًا بعد أن لم يكن، فالمراد بالعلم هنا علم الشيء بعد كونه ووجوده؛ لأنه هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب.

وقوله: {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} أي الذين يصبرون على ما أصابهم، والصبر هنا في هذا المقام يشمل الصبر بأنواعه الثلاثة، وذلك لأن الجهاد فيه صبر على طاعة الله، وفيه صبر عن معصية الله، وفيه صبر على الأقدار المؤلمة.

ففيه الصبر على طاعة الله؛ لأن الإنسان يصبر نفسه ويحبسها، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] فلابد من أن يصبر الإنسان نفسه ويحبسها حتى يخرج في الجهاد. وفيه صبر عن معصية الله، عن الفرار حين يتلاقى الصفان، فإن هذا يحتاج إلى صبر وتحمل؛ لأن صبر الإنسان قبل الدخول في المعركة قد يكون محتملًا لكن بعد الدخول وإذ يرى السيوف أمام وجهه فإنه قد يفر، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: ١٦]. وصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأن الجهاد لا يخلو من جراح ومن تعب ومن عناء ومشقة، ففيه أنواع الصبر الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>