للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن سوف تدل على المهلة والسين تدل على الفورية {وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ} أي: سيكافئهم، والشاكرون هم الذين قاموا بشكر نعمة الله، وقد مرَّ علينا أن الشكر هو القيام بطاعة المنعم بالقلب واللسان والجوارح؛ فالاعتراف بالقلب أن النعم من الله شكر، والثناء على الله بها باللسان شكر، والقيام بالطاعة بما يناسب تلك النعمة شكر، فشكر العلم مثلًا العمل به ونشره، وشكر المال صرفه في طاعة الله، وشكر القوة البدنية استعمال البدن في طاعة الله، وهلم جرا. واعلم أن بين الشكر والحمد عمومًا وخصوصًا من وجهين أي أن أحدهما أعم من الآخر من وجهٍ، فباعتبار أن الحمد يكون لكمال المحمود ولإنعام المحمود يكون أعم من الشكر، وباعتبار أن الحمد يكون باللسان يكون أخص من الشكر، والشكر باعتبار كونه متعلّقًا بالقلب واللسان والجوارح أعم من الحمد، وباعتبار أنه في مقابلة نعمة أخص من الحمد.

يقول الشاعر:

أفادتكم النعماءُ مني ثلاثةً ... يدي ولساني والضمير المحجبا

وبهذا التقرير نعرف أنه ليس بين الحمد وبين الشكر ترادف، بل هما متباينان، يتفقان فيما إذا حمد الله سبحانه وتعالى على نعمته كما لو أكل أو شرب فقال: الحمد لله، فهذا يعتبر شكرًا وحمدًا، ويختلفان فيما إذا حمد الله على كماله فهنا لا يكون هذا من باب الشكر، وإذا شكر الله بجوارحه فليس هذا من باب الحمد.

قال: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.

يبيِّن الله سبحانه وتعالى هذا المجمل في قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}

<<  <  ج: ص:  >  >>