يعني: من النصر والغنيمة {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} من الخذلان وفَقْد الغنيمة، فهذه من حكمة الله عزّ وجل، هذا هو الصواب في معنى الآية الذي لا يحتمل غيره. وأما قول صاحب الجلالين رحمه الله: إنَّ "لا" زائدة هنا والمعنى لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم، فهذا قول بعيد جدًّا، بل إن الله عزّ وجل يحب من المؤمنين ألا يحزنوا بل ويسلّيهم إذا وجدت أسباب الحزن. قال تعالى:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[المجادلة: ١٠] هذا تسلية، فكيف يفعل الله شيئًا من أجل أن يحزنوا؟ لكن المعنى كما سبق أن هذه الغموم التي أصابتهم من أجل أن ينسي بعضها بعضًا فلا يحزنوا على ما أصابهم ولا ما فاتهم، وحينئذٍ إذا انكشف الكل صار له طعم لذيذ في النفوس.
ونصبُ الفعل "تحزنوا" في قوله: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا} هل هو بـ"كي" أم باللام؟
يقولون: إذا ذكرت "اللام" و"كي" فالنصب بـ"كي"، وإذا ذكرت "كي" وحدها أو "اللام" وحدها فالكوفيون يقولون: الحرف هو الناصب، والبصريون يقولون: الناصب (أن مضمرة) يعني إذا اجتمعا صار النصب (بكي) مباشرة.
يقول عزّ وجل:{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. خبير مأخوذ من الخُبْرِ وهو العلم ببواطن الأمور، ومنه سمي الزارع خبيرًا لأنه يدفن الحب ويخفيه. فالأصل أن هذه المادة تدل على الخفاء، فالخبير هو العليم ببواطن الأمور، والعليم ببواطن الأمور عليم بظواهر الأمور من باب أولى.