للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الجبل الذي جعلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه لا شك أنه يحزن الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك القائد الذي رتَّب الجيش وأمرهم بأن لا يدعوا المكان مهما كان الأمر ثم خالفوه، وطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب واجبة من وجهين:

الأول: أن أمره شرع يجب اتباعه.

والثاني: من وجهة أنه قائد وولي أمر، ومخالفة القائد ولو لم يكن رسولًا تعتبر شديدة في نفسه، فكما أنه حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - منهم غم أصابهم الله بغموم.

أما على القول بأنها للمصاحبة فالأمر ظاهر؛ لأنها غموم متلاحقة في غزوة واحدة.

وأما كونه غمًا على غم فكذلك أيضًا، كلما فات غم أتى غم آخر، ولهذا قال: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ}، اللام هنا للتعليل، والمعلل قوله: {فَأَثَابَكُمْ} أى: أثابكم غمًا بغم من أجل أن لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم كيف ذلك؟ لأن الغم الأكبر ينسي الغم الأصغر فمثلًا:

إذا فاتهم النصر فهذا غم بلا شك، لكن إذا قُتل نبيهم عليه الصلاة والسلام هذا أشد غمًّا، فلما أشيع أنه قتل نسوا الغم الأول ولم يحزنوا عليه لأنهم أصيبوا بغم أكبر. فإذا جاء الفرج وتبين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بقي زالت الغشاوة كلها، فيكون هذا من لطف الله بهم أنه يصيبهم بمصائب تنسيهم المصائب الأولى، ثم بعد ذلك تنفرج، وهذا من رحمته عزّ وجل وعنايته بالصحابة والنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>