أصابكم غمًا على غمٍّ، ولا يلزم أن تكون متتابعة، والذين قالوا إنها للبدل والعوض يقولون: إن معناها أصابكم غمًا (بغم) بدلًا عن الغم الذي حصل منكم، وإذا تأملنا وجدنا أن الآية الكريمة تحتمل كل المعاني الثلاثة كما سيتبين إن شاء الله من تفسير الغم ما هو؟ والقاعدة في التفسير: أن الآية إذا كانت تحتمل أكثر من معنى وليس بينهما منافاة فإنها تحمل على ما تحتمله من المعاني؛ لأن هذا من بلاغة القرآن. فما هي الغموم التي أصابتهم؟
نحن نعلم أن المسلمين في أُحد أصيبوا بمصائب عظيمة:
أولًا: كان النصر لهم في أول النهار ثم كان عليهم في آخر النهار، وهذا لا شك أنه يحدث غمًا عظيمًا؛ لأنه بعد أن تفرح النفوس بالنصر ثم تنتكس يكون هذا أشد عليها مما لو كانت الانتكاسة لم تسبق بنصر.
ثانيًا: قُتل منهم شهداء من شجعانهم مثل حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه -، وهذا لا شك أنه يفت في أعضادهم.
ثالثًا: تأخر ثلث الجيش تقريبًا من أثناء الطريق وهم المنافقون الذين انخذل بهم عبد الله بن أبيّ المنافق.
رابعًا: أُشيع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قُتل، كيف تكون نفوس المؤمنين إذا أشيع أن إمامهم وقائدهم - صلى الله عليه وسلم - قد قتل؟
خامسًا: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصيب يوم أحد، فكسرت رباعيته وشجَّ وجهه، وأصابه من الضعف والوهن ما لم يصبه من قبل، فالغموم كثيرة.
وهذه الغموم إذا قلنا: إن الباء بدلية يكون معناها أنكم أصابكم غم بسبب ما أصبتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - به من الغم؛ لأن نزولهم