للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بدون مدٍّ، وفيها قراءة ثانية (آؤنبئكم) أي: بتحقيق الهمزتين بالمد.

وقوله: {بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ}، ولم يقل: "من ذلك"، لأن المخاطب جميع الناس، والمشار إليه ما سبق من متاع الحياة الدنيا بأنواعها السبعة، وأشير إليها بلفظ المفرد المذكر من أجل طي ذكره بشيء واحد، كأنه قال: بخير من ذلكم المذكور حتَّى لا يشار إلى التفصيل فيه؛ لأن الدنيا كلها في الواقع ينبغي أن يزهد فيها الإنسان ولا يحتسبها شيئًا، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (١) ولم يذكرها تحقيرًا لها.

وجواب الاستفهام هو مضمون قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي}، وقوله {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} خبر مقدم، و {جَنَّاتٌ}: مبتدأ مؤخر، وتقديم الخبر يفيد الحصر؛ لأن من القواعد المعروفة في البلاغة: أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.

والتقوى أحيانًا توجه لله عزّ وَجَلَّ كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: ٢٧٨]. وأحيانًا نؤمر باتقاء يوم القيامة كما في قوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: ٢٨١]. وأحيانًا نؤمر باتقاء النار: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣١].

ولكن المعاني وإن اتفقت في أصل الوقاية، فإنها تختلف؛


(١) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدء الوحي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١). ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات"، رقم (١٩٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>