للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم اعلم أن التقوى أحيانًا تقرن بالبر، وأحيانًا تفرد، فإن قرنت بالبر صار معناها: اجتناب المعاصي. والبر: فعل الطاعات، وإن أفردت عنه صارت شاملة لفعل الأوامر واجتناب النواهي، ولهذا الاستعمال في الكلمات نظائر كثيرة، كالفقير والمسكين، الفقير والمسكين إن ذكرا جميعًا صار لكل واحد منهما معنى، وإن أفرد أحدهما صارا بمعنى واحد.

كذلك الإيمان والإسلام؛ عند الإفراد يدخل أحدهما في الآخر، وعند الجمع يكون لكل واحد منهما معنى غير الآخر.

قوله: {عِنْدَ رَبِّهِمْ}: العندية هنا: تفيد فضلًا عظيمًا؛ لأنها هي القرب من الله عزّ وَجَلَّ. كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: ٢٠٦] وكما قال تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ١٩ - ٢٠].

فثواب المتقين عند الله، والعندية تفيد القرب، ولا أقرب من شيء يكون سقفه عرش الله عزّ وَجَلَّ، كالفردوس الأعلى. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: ٥٤ - ٥٥]. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها.

وقوله: {عِندَ رَبِّهِمْ}: الرب كما سبق هو الخالق المالك المدبر، وسبق أيضًا أن ربوبية الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى عامة وخاصة، والربوبية هنا: {عِندَ رَبِّهِمْ} ربوبية خاصة؛ لأن الله وفقهم لما حرمه كثيرًا من عباده.

وقوله: {جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحتِهَا الأَنْهَارُ}:

<<  <  ج: ص:  >  >>