للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[النور: ٤، ٥] هذه الآية فيها قيد بالاستثناء تعقب الجمل الثلاث، فهل يعود إلى الثلاث؟ نقول: أما الأولى فلا يعود إليها بالإجماع، وأما الثالثة فيعود إليها بالإجماع، وأما الوسطى ففيه خلاف. {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] الجملة الأولى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} والثانية {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} والثالثة: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الاستثناء لا يعود إلى الأولى بالاتفاق، فلو تاب القاذف، فإن حق المقذوف لا يسقط ويجلد القاذف ثمانين جلدةً، ولو تاب القاذف زال عنه وصف الفسق بالاتفاق، وإذا تاب القاذف فهل تقبل شهادته أم لا؟ في هذا خلاف، فمنهم من قال تقبل، ومنهم من قال لا تقبل.

يقول عزّ وجل: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}:

يقول الله عزّ وجلْ مبيّنًا ومسليًا لعباده المؤمنين أنهم إذا خرجوا من ديارهم وقتلوا أو ماتوا، فإن ما يقبلون عليه خير مما يرحلون عنه، وهذا بما قبله {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: ١٥٦] يعني: لو متم أو قتلتم فإن هذا ليس حسرة، بل هذا خير {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي في الجهاد في سبيل الله، ويحتمل أن يكون المعنى أعم من الجهاد في سبيل الله بالسلاح ليشمل الجهاد في سبيل الله بالدعوة إلى الله عزّ وجل والعلم، فمن قتل لكونه داعية فإنه مقتول في سبيل الله؛ لأنه كالمجاهد بسلاحه، وقوله: {أَوْ مُتُّمْ} يعني دون أن تقتلوا في سبيل الله {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من الدنيا كلها أي: (المغفرة) لكم من الله ورحمة لكم أيضًا، والفرق بين المغفرة والرحمة أن

<<  <  ج: ص:  >  >>