للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عهد الصحابة تشريع لهم وللأمة إلى يوم القيامة، وكونه رحمة له واضح، وكذلك كونه رحمة لهم واضح أيضًا من أجل أن يألفوه وأن يستأنسوا به وتتسهل معاملته إياهم، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام: لا يخير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (١).

قال الله عزّ وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}:

هذه عطف على قوله {لِنْتَ لَهُمْ} اللين يقابله الشدة، والشدة تكون في الهيئة وفي القول وفي القلب، قال: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} (الفظ) الجافي الشديد في مقاله الذي يصعِّر خده للناس، جافيًا أيضًا في قوله عنيفًا شديدًا لا يلين، والغِلَظ يكون في القلب؛ تجد قلبه قاسيًا لا يرحم، ولا يُنزل الناس منازلهم، ولا ينظر إلى الأحوال المقترنة بالأفعال، فأحيانًا تكون هناك أحوال تقترن بفعل الشخص يعذر بفعله من أجلها، فتجد غليظ القلب -والعياذ بالله- يعامل الناس معاملة واحدة لا ينظر إلى أحوالهم، ولا ينظر إلى ظروفهم -كما يقولون-، وإنما تجده غليظ القلب قاسيًا لا يلين. ومن أعظم ما يدل على ذلك ما يبدر من بعض الناس في معاملة الصغار، تجده في معاملة الصغار عنيفًا يريد من الصغير أن يكون أدبه كأدب الكبير، وهذا لا شك أنه خطأ عظيم، وهذا من غلظ القلب، ولما رأى الأقرع بن حابس


(١) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، رقم (٦٧٨٦). ورواه مسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام، رقم (٢٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>