قوله:{وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} أي إن يُقدِّر لكم الخذلان، وهو عدم النصر {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}.
ويمكن أيضًا أن نستدل على معنى الخذلان بقوله:{فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}، فـ (مَن): استفهام جاء بمعنى النفي؛ لأنه مُشْرَب بمعنى التَّحدِّي، يعني كأن الله يقول: نتحدَّاكم إذا أراد الله خذلانكم أن ينصركم أحدٌ من بعده، حتى لو اجتمعت قوى الأرض كلها على أن تنصركم، والله تعالى لم ينصركم فإنه لا يمكن أن تنتصروا، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده؟ الجواب: لا أحد.
وقوله:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(على الله): جار ومجرور مقدَّم على عامله وهو (يتوكل)، وتقديم ما حقه التأخير يُفيد الحصر، أي على الله لا غيره {فَلْيَتَوَكَّلِ}، والفاء هنا قال النحويون: إنها زائدة لتحسين اللفظ، ولا يمكن أن تكون عاطفة؛ لأن الواو في قوله {وَعَلَى اللَّهِ} تُغني عنها، ولهذا لو قيل:(وعلى الله ليتوكل) صحَّ، فهي زائدة لتحسين اللفظ، ووجه كونها لتحسين اللفظ: أن اللفظ لو جاء (وعلى الله ليتوكل المؤمنون) لم يكن بذاك بلاغة، فإذا قيل:{فَلْيَتَوَكَّلِ} أي: فليعتمد، ولكن التوكل على الله عزّ وجل ليس كالتوكل على الآدمي، التوكل على الله فيه إنابةٌ وخضوع وذل وتفويض واعتمادٌ تام على الله، بخلاف ما إذا توكل الإنسان على شخص وكيل له، فإنه لا شك يعتمد عليه فيما وكله فيه، لكن لا يجد من قلبه أنه مفوَّض تفويضًا تامًّا، فالتوكل على الله عبادة، فلهذا قال:{وَعَلَى اللَّهِ} يعني وحده فليتوكل المؤمنون أي: المؤمنون به.