للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذُكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ناظر رئيس البطائحية الذي جاء يُناظره في مسائل من أصول الدين قال له رئيس البطائحية: أنا أصوب منك؛ لأني أنا أستطيع أن أدخل في النار ولا يُصيبني منها شيء، فهل تستطيع أن تدخل في النار ولا يُصيبك شيء؟ قال شيخ الإسلام: نعم، أنا أستطيع بشرط أن أنزل أنا وإياك في هذا النهر، ونغتسل تمامًا ثم ندخل النار؛ وذلك لأن الرجل قد طلى جسمه بشيء يُضاد النار، فيريد أن يموِّه على الناس بدخول النار، وعلى كل حال أقول: إن فعل الأسباب لا يُنافي التوكل، ولهذا شواهد:

نعلم علم اليقين أن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - سيد المتوكلين، ومع ذلك كان يتوقَّى الحرَّ، ويتوقَّى البرد، ويأكل لدفع الجوع، ويشرب لدفع الظمأ، وفي الغزوات كان يلبس الدرع يتوقَّى به السهام، وفي غزوة أحد لبس درعين، وفي غزوة الخندق لما أحاط الأعداء بالمدينة حفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، ولم يقل نتوكل على الله، والوقائع على هذا كثيرة تدل على أن فعل الأسباب لا يُنافي التوكل، ولكن يجب أن نلاحظ شرطًا مهمًا، وهو أن تكون الأسباب أسبابًا شرعية أو كونية، لا أسبابًا وهمية.

أسباب شرعية يعني ثبت بالشرع أنها سبب، أو أسباب كونية أي ثَبت بالتجارب أنها سبب.

أما السبب الوهمي كتعليق التمائم غير الشرعية والتطير وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز الاعتماد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>