حمدون يستشهد بشيء من هذه الأمور أو يتوقف كثيرا عندها؛ نعم وجدته يقول في بعض المواطن وهو يتحدث عن السخاء «١» : «وشاهدت اثنين أحدهما من أوساط الناس والآخر من فقرائهم، أما الأول فكان يجوع ويطعم، ويعرى ويكسو، ويتكسب بالتصرف، فيلبس القميص المرقوع، ويركب الدابة الضعيفة، لا زوجة له ولا ولد ولا عبد؛ وأما الثاني فرجل ضعيف يجتدي الناس في الأسواق، ويسألهم، ويجمع ذلك ينفقه على المحبوسين ويطعمهم ويسقيهم ويداوي مرضاهم، ويضع الأجاجين على الطرق يملأها ثريدا ويدعو الفقراء إليها وهو بقميص منخرق مكشوف الرأس، لا يعود على نفسه مما يحصله إلا ببلغته، فهذان يستحقان اسم الكرم» ؛ ولكن أشباه هذا النصّ قليلة فيما أعتقد، أستثني من ذلك مؤقتا قسم التاريخ لأني لم أحصل عليه بعد. ولهذا يمكن أن يقال إن التذكرة في معظمها تمثل جهدا في النقل عن مصادر الأدب والتاريخ.
٣- النسخ المعتمدة في التحقيق:
للتذكرة الحمدونية نسخ عديدة تمثل أجزاء كثيرة منها مبثوثة في المكتبات في أرجاء العالم، وقد حصلت على عدة نسخ منها، (سأصف كلّا منها في مطلع كل جزء بحسب الحاجة) . ولما رتبت النسخ التي يمكن أن تعتمد لتحقيق الجزء الأول وجدتها ثلاثا، وهي:
١- نسخة أحمد الثالث رقم: ٢٩٤٨ (ورمزها ح) ، وتقع هذه النسخة في ١٧٢ ورقة في كل ورقة ١٧ سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١٢ كلمة، وقد كتب على الورقة الأولى منها: الجزء الأول من كتاب التذكرة تأليف الشيخ الصدر الأجل الأمجد محمد بن حمدون رحمه الله، اللهم كما أنعمت فزد، ثم بعض تملكات يدل أحدها أنها كانت برسم خزانة السلطان الأعظم سليمان بن السلطان شهاب الدين غازي بن محمد الأيوبي؛ وفي