٦٨٣- الرسائل والمكاتبات أبسط من الشّعر مقالا، وأفسح مجالا، وإن كان أربابها أقلّ عددا فإنّهم أشرف محلا ومحتدا، وقد ذكر الصابي الفرق بين المترسّل والشاعر فأجاد، وحكم فأنصف، وسأذكر رسالته هذه في أثناء الباب.
وقد اقتصرت على ما تضمن «١» معنى بديعا، ولفظا فصيحا، أو سيرة معربة، أو قضية معجبة، وتجنّبت الإكثار إذ كان استقصاء فنونها واستغراق فصولها يحتاج إلى كتاب مفرد، ويكون وإن أطيل مختصرا. وكانت القدماء توجز المكاتبات وتختصرها، وتقنع من الألفاظ بمبلغها، وترى الإطالة عجزا والإيجاز إعجازا، ولذلك قال يحيى بن خالد لأولاده «٢» : إن استطعتم أن تكون كتبكم كلّها توقيعات فافعلوا. وعدل الناس الآن إلى الإسهاب، واعتاضوا عن البلاغة بالتفريع في الألفاظ، فمن البليغ الموجز ما قال الله عزّ وجلّ «٣» حكاية عن كتاب سليمان عليه السلام: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ