وكانت له نوبة أخرى أول أمره وفي بداية خلافته. وذاك أن الناس أنكروا صغر سنه، فعزم الوزير العباس بن الحسين- وهو المستولي على التدبير حينئذ- على خلعه، وأعدّ لذلك أبا عبد الله محمد بن المعتمد وخالفه وقرر القاعدة معه، وانتظر قدوم بارس صاحب أحمد بن إسماعيل من خراسان ليتقوى به على ما همّ به، فاتفق ان فلج محمد بن المعتمد ومات، وانتقض ذلك الأمر وحيل دونه، وقضاء الله لا يرد، وحكمه لا يغالب.
[حكايات من عصر المؤلف]
١٠٩- حدثني النقيب أبو الغنائم ابن المختار العلوي قال: حدثني اصفهسلار شيخ مقدم الخراسانية على باب محمد بن ملكشاه قال: لما قبض السلطان محمد على وزيره سعد الملك ابي المحاسن سعد بن علي الآبي وصلبه، قبض على أصحابه ومن جملتهم أبو إسماعيل الكاتب المنشىء وسلمه إليّ، وكان صديقي وله عليّ حقوق؛ ثم إنه استدعاني في بعض الأيام ووقفني حيث لم تجر عادتي به وتقدم إليّ وأمرني بالخروج من حضرته وعرض أبا إسماعيل على العذاب حتى يؤدي عشرين ألف دينار أو يموت تحت العقوبة، وتشدد عليّ، فخرجت وأحضرته مقيدا وعرّفته ما جرى. فحلف أنه لا يقدر على أكثر من أربعة آلاف دينار هي مودعة عند انسان ذكره، وليس لي ملك ولا ذخيرة. فقلت لا بد من انفاذ أمر السلطان فيك. فتضوّر وبكى. فلم أتمكن من الدفع عنه مع مودتي له خوفا من السلطان ولتمكّن هيبته في النفوس. قال: فأمرت به فضرب ثلاث مقارع، فإذا بمن يستدعيني إلى السلطان حثيثا. فأمرت أصحابي بأن يكون على حاله إلى أن أرجع. فلما دخلت عليه قال: ما فعلت في أمر أبي إسماعيل؟
فأخبرته. فلما انتهيت إلى ذكر العقوبة، قال: ليتك لم تكن فعلت. ثم قال:
اخرج فاحمله إلى الحمام، وأمط عنه الدرن، وخذ له من الخزانة جبّة وعمامة، ومره بأن يباكر إلى الدار قبل الكتّاب وقبل الناس كلهم. فخرجت من بين يديه وأنا شديد التعجب، وأمرت به إلى الحمام فارتاب بي، وأخذ يتمرغ على قدمي، ويقول: من أنا حتى أقتل في الحمام؟ وأنا أقول له: لا بأس عليك. وكلما