سكّنته انزعج، إلى أن أحضرت المزين فأخذ من شعره وألبسته ثيابا نظيفة، وجيء بالجبة والعمامة من الخزانة فلبسها، وركب وأصحابي معه. وشاع الخبر، فاستغربه الوزير وجماعة الكتّاب. وحضر أبو إسماعيل من بكرة غد، فوصل إلى الخدمة السلطانية، وأقام ستة شهور يخلو بالسلطان كل يوم من بكرة إلى الظهر، والناس يهابونه ويواصلونه بالتحف والخدم والألطاف، وأنا منهم، ولا نعرف السبب فيما اتفق له به. ثم ظهر من بعد أن السلطان ورد عليه مكتوب مستظهري، وقد كتب عنه جوابه بخط الكاتب، ومن العادة أن يكون عنوان الكتاب السلطاني إلى الخليفة بخط السلطان، فتأمل خط الخليفة فاستحسنه واسترذل خطه، وقال: كيف أكتب الجواب عن هذا الخط الحسن بهذا الخط الرذل؟ فألهمه الله لما قدّره من خلاص أبي إسماعيل أن يجوّد خطه وأن يعوّل عليه في ذلك. وأسر إليه هذا الأمر وطواه عن كل أحد، وكانت خلوته لأجله، وقربه منه وقدمه وجعله طغرائيا، وكبر محلّه عنده.
١١٠- كنت واقفا على فرسي بسوق الخيل، وبهروز الخادم إذ ذاك والي بغداد، وقد ورد الخبر بتولية آخر مكانه. وقد أخرج من حبسه اثنان: أحدهما قاطع طريق والآخر عليه قود، وقدما للقتل. فبدأ بقاطع الطريق فقتل، ثم قرّب الآخر إلى السياف فطلعت خيل أخر، فاشتغل أصحاب بهروز وأعادوا الرجل إلى الحبس، ونحن وقوف؛ وخرج منه أصحاب الجرائم وذلك الرجل فيهم وهو يحجل في عتلته، وتبعه أرباب الدم وكانوا أطفالا ونساء فعجزوا عنه وهرب حتى لحق بالدار السلطانية، واعتصم بها فنجا.
١١١- حدثت عن نجاح الخادم المسترشدي قال: أعطيت رقعة عن محبوس ونحن بحلوان في الخدمة المقتفية، فعرضتها بين يدي فوقع فيها: ليخلّد في السجن. فانزعجت وقلت في نفسي: ليتني لم أكن عرضتها، ولم يكن لي فيها حيلة، فإنه وقع فيها وألقاها بين الرقاع لتخرج في الجمع إلى الوزير على العادة. قال: ثم أعاد التأمل للرقاع فوقعت تلك الرقعة في يده، فخرق التوقيع