للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقل من جهة النقل ما روي أنّ ابن سلام سأل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله في حديث طويل في آخره وصف عظم العرش، وأنّ الملائكة قالت: يا ربّ خلقت شيئا أعظم من العرش؟ قال: نعم العقل، قالوا: وما بلغ من قدره؟ قال:

هيهات لا يحاط بعلمه، هل لكم علم بعدد الرمل؟ قالوا: لا، قال: فإني خلقت العقل أصنافا شتّى كعدد الرمل، فمن الناس من أعطي حبّة، ومنهم من أعطي حبتين، ومنهم الثلاث والأربع، ومنهم من أعطي فرقا ومنهم من أعطي وسقا، ومنهم أكثر من ذلك. آخر كلام أبي حامد.

[ونذكر الآن ما جاء من كلام الحكماء والأدباء ونظم الشعراء في العقل والعاقل والجهل والجاهل، وأخبارا تناسب ذلك وتجري معه إن شاء الله تعالى.]

٧٠٠- قال أبو سليمان محمد بن بهرام السجستاني المنطقي: الناس أصناف في عقولهم، فصنف عقولهم مغمورة بشهواتهم، فهم لا يبصرون بها إلّا حظوظهم المعجّلة، فلذلك يكيسون في طلبها ونيلها، ويستعينون بكلّ طاقة ووسع على الظّفر بها. وصنف عقولهم متنبّهة لكنّها مخلوطة بسنات الجهل، فهم يحرصون على الخير واكتسابه ويخطئون كثيرا، وذلك أنهم لم يكملوا في جبلّتهم الأولى، وهذا نعت موجود في العبّاد الجهلة والعلماء الفجرة، كما أنّ النعت الأول موجود لطالبي الدنيا بكلّ حيلة ومحالة. وصنف عقولهم ذكيّة متلهّبة [١] لكنها عميّة عن الآجلة، فهي تدأب في نيل الحظوظ بالعلم والمعرفة، والوصايا اللطيفة، والسمعة الربّانية. وهذا موجود في العلماء الذين لم تثلج صدورهم بالعلم، ولا حقّ عندهم الحقّ اليقين، وقصروا عن حال أبناء الدنيا الذين يشيمون في طلبها السيوف الحداد، ويطيلون إلى نيلها السواعد الشداد، فهم بالكيد والحيلة يسعون في طلب اللذاذة والراحة. وصنف عقولهم مضيئة بما


[١] ح: ملتهبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>