للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متلوّن ولا على لجوج، وخف الله من موافقة هوى المستشير، فإنّ التماس موافقته لؤم، وسوء الاستماع منه خيانة.

[المشورة عند اليونان والفرس]

«٩٠٠» - وقالت الفرس: ينبغي أن يكون المستشار صحيح العلم، مهذّب الرأي، فليس كلّ عالم عارفا بالرأي الصائب، وكم نافذ في شيء ضعيف في غيره. وقد يكون المستشار مستقيم الرأي، سديد التدبير، فتعرض له آفة أخرى:

إما في خليقته ومقاصده، فلا يكون صوابه ملائما لما هو صواب للملك، أو يكون مائلا بهواه فيما استشير فيه إلى نفع صديق أو ضرّ عدوّ. ومثال الأول: أن يكون بخيلا فيحسّن البخل لحسنه عنده، أو جبانا فيشير بما يدعوه إلى الجبن، أو يكون مبذرا أو متهوّرا فبالضدّ. فإذا عرف الملك سلامة المستشار من هذه الشوائب وسمع مشورته، طالبه بالدليل على الصواب، فإذا أتى بالحجة عرضه الملك على رأيه، ووزنه بعقله. فإذا طابق الصواب عنده عمل به. وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر بقوله، وهي تروى لأبي الأسود الدؤلي واسمه الحارث بن ظالم [١] : [من الطويل]

وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... وما كلّ مؤت نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند واحد ... فحقّ له من طاعة بنصيب

«٩٠١» - وكان اليونان والفرس لا يجمعون وزراءهم على الأمر يستشيرون فيه، إنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به، لمعان شتّى منها:


[١] كذا هو في النسخ، ولعله سهو، إذ اسم أبي الأسود هو ظالم بن عمرو؛ فأما الحارث بن ظالم فإنه أحد فتاك العرب في الجاهلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>