ليلة، فتغديت يوما عنده، فلما تفرّق الناس نهضت للقيام فقال: على رسلك أيها الرجل، فقعدت فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندنا، ولك النّصفة في المعاشرة والمجالسة مع المواساة أم الشخوص ولك الحباء والكرامة؟ فقلت:
فارقت أهلي وولدي على أني زائر لأمير المؤمنين وعائد إليهم، فإن أمرني اخترت فناءه على الأهل والولد. فقال: بل أرى لك الرجوع إليهم فإنهم متطلّعون إلى رؤيتك، فتحدث بهم عهدا ويحدثون بك مثله، والخيار بعد في زيارتنا والمقام فيهم إليك، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وكسوناك وحملناك، أتراني ملأت يديك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أراك ذاكرا ما رأيت عن نفسك، قال: أجل ولا خير في من ينسى إذا وعد، ولا ينسى إذا أوعد، ودّع إذا شئت، صحبتك السلامة.
[حكايات مختلفة عن الوفاء]
«٢١» - أحضر الحجاج رجلا من الخوارج فمنّ عليه وأطلقه، فلما عاد إلى أصحابه قالوا له: إنّ الله تخلّصك من يده ليزيدك بصيرة في مذهبك، فلا تقصّر في الخروج عليه، فقال: هيهات غلّ يدا مطلقها، واسترقّ رقبة معتقها.
«٢٢» - دخل هارون بن أبي زياد مؤدب الواثق على الواثق، فأكرمه وأظهر من برّه ما شهره به، فقيل له: يا أمير المؤمنين من هذا الذي فعلت به ما فعلت؟
قال: هذا أوّل من فتق لساني بذكر الله تعالى وأدناني من رحمته.
«٢٣» - ومن الوفاء المستحسن ما روي عن أبي زكّار الأعمى، وهو مغنّ منقطع إلى آل برمك، قال مسرور الكبير: لما أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى دخلت وعنده أبو زكار الأعمى الطّنبوريّ يغنيه: [من الوافر]