في حدود سنة ١٩٨٠ عرض عليّ الأستاذ الصديق الدكتور رضوان السيد القيام بتحقيق التذكرة الحمدونية، فحصلت لتحقيق هذا المشروع على عدد غير قليل من المخطوطات، وزوّدني الدكتور رضوان نفسه بعدد آخر من تلك المخطوطات.
وشرعت في العمل، فأنجزت جزءين منها طبع الأول سنة ١٩٨٣ بعناية معهد الإنماء العربي في بيروت، والدار العربية للكتاب (طرابلس- تونس) ، وطبع الثاني سنة ١٩٨٤. ثم غادرت بيروت إلى عمان دون مكتبتي، ومضت سنوات أخرى قبل أن أستطيع نقلها لتكون على مقربة مني، فتعطل العمل في التذكرة أو كاد، ثم ألمّت بي ظروف قاسية من المرض، ظننت معها أن التذكرة لن تكمل بتحقيقي؛ حتى إذا كان عام ١٩٩٢ جاء أخي بكر من المملكة العربية السعودية ليستقر في عمان، ففرحت كثيرا بقدومه بعد غياب طويل، ثم إنه اقترح عليّ أن نعمل معا في إتمام التذكرة، وغرضه الحقيقي أن يعيد إليّ ثقتي في نفسي، وكنت أعلم إذا نحن تعاونّا على إنجاز ذلك المشروع أن أكثر العبء سيقع على كتفيه. ورغبة مني في أن يكون لنا عمل مشترك، يجمع جهدينا، بعد أن باعدت بيننا عملية الشتات سنين عديدة، قبلت اقتراحه الكريم، واستأنفنا ما طال بعدي عنه، ولم يكن ذلك أمرا يتسم بالسهولة واليسر.
كنت في الجزءين الأولين أحاول أن أتبع منهجا طموحا هو أن أبيّن في التعليقات والهوامش مصادر ابن حمدون والمصادر التي نقلت عنه، وكان هذا العمل يرسم مدى التواصل بين كتب «الأدب» على مرّ الزمن؛ ولكن تطبيق مثل هذا المنهج يتطلب بقاء الذاكرة على قوّتها، كما يتطلب همة متماسكة لصعود السلم وإحضار الكتب من الرفوف العليا، وعدم اضطراب للترتيب الذي ألفته في مكتبتي، وقد اختل هذا