للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسقت الحديث من أوله إلى آخره، حتى انتهيت إلى ذكر الفاكهة والطعام والغسل والطهور والبخور والصلاة، وما حدثت به نفسي من امتناعه، والغضب يظهر في وجهه ويتزايد، حتى انتهيت إلى فراغ الأموي من الصلاة والتفاته إليّ ومسألته إياي عن سبب قدومي، ودفعي الكتاب إليه، ومبادرته إلى أمر ولده وأسبابه وأهله وأصحابه وخدمه ألا يتبعه أحد منهم، وصرفه إياهم، ومدّ رجليه حتى قيدته. فما زال وجه الرشيد يسفر، فلما انتهيت إلى ما خاطبني به عند توبيخي إياه، فقال: صدق والله! ما هذا إلا رجل محسود على النعمة مكذوب عليه؛ ولعمري لقد أزعجناه وآذيناه وأرعبناه وأرعبنا اهله، فبادر بنزع أقياده عنه، وأتني به. فخرجت فنزعت قيوده وأدخلته إلى الرشيد. فما هو أن رآه حتى رأيت الحياء يجول في وجه الرشيد. فدنا الأموي فسلّم بالخلافة ووقف، فردّ عليه السلام ردا جميلا، وأمره بالجلوس فجلس. وأقبل عليه الرشيد يسائله عن حاله، ثم قال له: بلغنا عنك فضل هيئة، وأمور أحببنا أن نراك معها، ونسمع كلامك فاذكر حاجتك، فأجاب الأموي جوابا جميلا وشكر ودعا وقال: أما حاجتي فلا حاجة لي إلا واحدة. وقال: مقضية فما هي؟ قال: يا أمير المؤمنين، تردّني إلى بلدي وأهلي وولدي، قال: نحن نفعل ذلك، ولكن سل ما تحتاج إليه من صلاح جاهك ومعاشك، فمثلك لا يخلو أن يحتاج إلى شيء من هذا.

فقال: عمال أمير المؤمنين منصفون، وقد استغنيت بعدله عن مسألة شيء من أمواله، وأموري منتظمة، وأحوالي مستقيمة، وكذلك أمور أهل بلدي بالعدل الشامل في ظل دولة أمير المؤمنين، فلا استغنم ماله. فقال له الرشيد: انصرف محفوظا إلى بلدك، واكتب إلينا بأمر إن عرض لك. فودّعه الأمويّ. فلما ولّى خارجا قال لي الرشيد: يا منارة احمله من وقته، فسر به راجعا كما سيّرته إلينا حتى إذا أوصلته إلى المجلس الذي أخذته منه فدعه فيه وانصرف. ففعلت ذلك.

[مزيد من حكايات الفرج بعد الشدة]

٩١- حدث أبو عبد الله الحسين بن محمد السمري كاتب ديوان البصرة قال: وكان أبو محمد المهلبي في وزارته قد قبض عليّ بالبصرة، وطالبني بما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>