للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطبة الباب]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) *

(وما توفيقي إلا بالله [١] ) الحمد لله الخالق الباعث، الرازق الوارث، الذي قدّر الحياة والموت، وجعل لهما أجلا لم يخش فيه الفوت، ونقل خلقه من دار الفناء إلى مقرّ البقاء، وقرن النعم إذا اطمأنّ إليها المغرور بالبلاء، مفرّق الألّاف بعد اجتماع، ومشتّت كلّ شمل ببين وانصداع، حكمة منه لا تدرك غايتها ومداها، ومنافع [٢] في عباده قدّرها وأحصاها، فالطائع يبلو أخباره، والعاصي يوقظه ليتقي ناره، والصابر يعجّل له الراحة ويؤجّل له الثّواب، والجازع يردّه إلى الصبر كارها غير مثاب، ونحن مع قصر الأعمار ودنوّها، في جهاد من تجبّر النفس وعتوّها، ترى المدة قريبة وهي تقنط [٣] للادّخار، والمسافة دانية وهي تستبعد الدار، فكيف بها لو طالت الآجال وامتدّت، وبلغت الآمال واطمأنت، كانت حينئذ تقسو فلا تلين، وتشحّ فلا تستكين، لا يتعلق بالأطماع صلاحها، ولا يرجى على حال فلاحها؛ فسبحان من جعل الخيرة في المكروه وله في كلّ فعل سرّ مكنون، وبكلّ غائب علم مخزون، وصلاته على رسوله الذي هو لنا قدوة، ولكلّ حيّ به في الممات أسوة، وعلى آله وأصحابه، وارثي علمه وآدابه.


[١] ورد بدل هذه العبارة في م: قال الأجلّ السعيد العالم بهاء الدين أبو المعالي [ابن] حمدون رضي الله عنه.
[٢] م: ومنافعه.
[٣] ودنوها ... تقنط: سقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>