٨١٦- كان في جوار أبي حنيفة رجل يسرف في حسده ويذكره بكلّ سوء. فكان أبو حنيفة يمرّ به فيسلّم عليه فلا يردّ عليه السلام. فقيل لأبي حنيفة في أمره فقال: إنّ للجوار حقّا. ثم إنّ الرجل سابّ رجلا من أصحاب السلطان، فشتمه وشهد عليه جماعة بشتمه إيّاه، فهرب من بين يدي السلطان وأتى أبا حنيفة فأخبره بخبره وقال: أنا مستح منك ولكن أغثني، فقال: يا فلان، لا تبذأ على المسلمين، فإنّ البذاء لؤم، والفحش من قلّة الدين، إذا صرت إلى السلطان فاعترف وقل: كانت أمّه مسلمة صالحة، وسمعت بيتا من الشّعر، فأردت غيظه به فأنشدته إياه:[من الخفيف]
ربّ ركب وهم مشاة رأينا ... وزنا للزانيين حلالا
قال: فغدا الرجل إلى السلطان وأحضرت البيّنة، فقال: أيها الأمير، صحّ عندي أن أمّه مسلمة حرّة عفيفة ورعة، وأخبرني هو أن أباه وأمّه زنيا حلالا، فأنشدته بيتا قيل؛ فلم يوجب عليه السلطان عقوبة.
٨١٧- وقال رجل لأبي حنيفة: ما تقول في رجل قال: لا أرجو الجنّة ولا أخاف النار، وآكل الميتة وأشهد بما لم أر، ولا أخاف الله، وأصلّي بلا ركوع ولا سجود، وأبغض الحقّ وأحبّ الفتنة؟ قال أبو حنيفة، وكان هو يعرفه شديد البغض له: يا فلان، سألتني عن هذه المسألة ولك بها علم؟ قال: لا، ولكن لم أجد شيئا هو أشنع من هذا فسألتك عنه، قال: فقال أبو حنيفة لأصحابه:
ما تقولون في هذا؟ قالوا: شرّ رجل هذه صفة كافر، قال: فتبسّم أبو حنيفة