فليت هشاما كان حيا يسوسنا ... وكنّا كما كنّا نرجّي ونطمع
[أحمد بن طولون]
«٦١٨» - كان أحمد بن طولون والي مصر متحلّيا بالعدل مع تجبّره وسفكه الدماء، وكان يجلس للمظالم ويحضر مجلسه القاضي بكار بن قتيبة وجماعة من الفقهاء مثل الربيع بن سليمان ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ومعمر بن محمد.
وكان ابن طولون يمكّن المتكلّم من الكلام وكشف ظلامته جالسا مقرّبا. قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاويّ الفقيه: فاعترضت ضيعة لنا بالصعيد من ضياع جدّي سلامة، فاحتجت إلى الدخول إليه والتظلّم مما جرى، وأنا يومئذ شابّ، إلّا أنّ العلم ومعرفة الحاضرين بسطني إلى الكلام والتمكّن من الحجة، فخاطبته في أمر الضيعة، فاحتجّ عليّ بحجج كثيرة وأجبته عنها بما لزمه الرجوع إليه. ثم ناظرني مناظرة الخصوم بغير انتهار ولا سطوة عليّ، وأنا أجيبه وأحلّ حججه، إلى أن وقف ولم يبق له حجة، فأمسك عنّي ساعة ثم قال لي:
إلى هذا الموضع انتهى كلامي وكلامك، والحجة فقد ظهرت لك، ولكن أجّلنا ثلاثة أيام، فإن ظهرت لنا حجة ألزمناك إياها، وإلّا سلّمنا إليك الضيعة، فقمت منصرفا. وقال ابن طولون بعد خروجي للحاضرين: ما أقبح ما أشهدتكم به على نفسي أقول لرجل من رعيّتي قد ظهرت له حجة: أنظرني إلى أن أطلب حجة وأبطل الحكم الذي أوجبته حجّته. من يمنعني إذا وجبت لي حجة أن أحضره وألزمه إياها؟ هذا والغصب واحد. أنتم رسلي إليه بأني قد التزمت حجّته، وأزلت الاعتراض عن الضيعة. وتقدّم بالكتاب له، وعرف الطحاوي الحال منهم فصار إلى الديوان وأخذ الكتاب بإزالة الاعتراض عن الضيّعة.
«٦١٩» - وروي أنّ بعض قوّاده كان يتولّى كورة من كور مصر، فدخل