راهب من رهبان النصارى متظلّما من ذلك القائد، فرآه بعض الحجّاب الذين يختصّون بذلك القائد فقال له ما لك؟ قال: ظلمني وأخذ مني ثلاثمائة دينار، فقال له الحاجب: لا تتظلّم وأنا أسلّم إليك ثلاثمائة دينار. فأخذه إلى داره ودفع إليه ثلاثمائة دينار فاغتنمها الراهب وطار. ونقل الخبر إلى أحمد بن طولون فأمر بإحضار القائد والحاجب والراهب وقال للقائد: أليس عللك مزاحة ورزقك دارّا، وليس لك سبب يحوجك إلى مدّ يدك؟ قال: كذاك، قال ما حملك على ما صنعت؟ وأمر بصرفه عن الكورة، وصرف الحاجب عن حجبته، وأحضر النصرانيّ وقال: كم أخذ منك؟ قال ثلاثمائة دينار فقال: لعنك الله لم لم تقل ثلاثة آلاف دينار فآخذها لك من ماله بقولك؟ ثم صاح بالقائد: إلى المطبق! المطبق! فحمل إليه.
«٦٢٠» - وروي أنّ العباس بن أحمد بن طولون استدعى مغنيّة وهو مصطبح، فلقيها بعض صالحي مصر ومعها غلام يحمل عودها فكسره، ودخل العباس إلى أبيه فأخبره، فأرسل أحمد بن طولون فأحضر الرجل الصالح وقال له:
أنت الذي كسرت العود؟ قال: نعم، قال: فعلمت لمن هو؟ قال: نعم، قال:
لمن هو؟ قال: لابنك العباس. قال: أفما أكرمته لي؟ قال: أكرم لك بمعصية، والله عزّ وجلّ يقول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
(التوبة: ٧١) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فأطرق أحمد بن طولون ثم رفع رأسه وقال: كلّ منكر تراه فغيّره وأنا من ورائك، وصرفه مكرّما.
٦٢١- وكان أحمد بن طولون يحبّ العلماء ويحضرهم مجلسه؛ وأراد أبا إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني الفقيه صاحب الشافعيّ أن يحضره، فامتنع عليه زهدا وتورّعا، فتهدّده بهدم داره، فلم يجبه، وأمر سوّارا حاجبه بهدمها. فقام