الخلافة، إلّا أنك أبيت أن أطلب النصر إلّا من حيث عوّدته من العفو، فإن عاقبت فلك نظير، وإن عفوت فلا نظير لك، فإنّ جرمي أعظم من أن أنطق فيه بعذر، وعفو أمير المؤمنين أجلّ من أن يفي به شكر. فقال المأمون: مات الحقد عند هذا العذر. فاستعبر إبراهيم، فقال المأمون: ما شأنك؟ قال: الندم، إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته في الإنعام عليّ. ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلّغاني عفوه، وإنّ لي الشفعة:
الإقرار بالذنب، وحق العمومة بعد الأب، فلا يسقط عن كرمك عمّك، ولا يقع دون عفوك عبدك. فقال: لو لم يكن في حقّ نسبك حقّ الصفح عنك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك، ولطف توصّلك. ثم أمره بالجلوس وقال له: ما البلاغة يا إبراهيم؟ قال: أن يكون معناك يجلّي عن مغزاك. فقال المأمون: هذا كلام يشذّر بالذهب؛ لقد أذهبت به وغرا كان في صدري.
«٣٤٣» - اعتذر كاتب إلى صديق له فأجابه: أنت في أوسع العذر عند ثقتي، وفي أضيق العذر عند شوقي.
[كتاب من ابن مقلة إلى ابن الفرات]
٣٤٤- كتب أبو علي ابن مقلة إلى أبي الحسن ابن الفرات يستعطفه:
اقتصرت- أطال الله بقاء الوزير- على الاستعطاف والشكوى، على تناهي المحنة والبلوى، في النفس والمال، والجسم والحال، إلى ما فيه شفاء للمنتقم، وتقويم للمجترم، وحتى أفضيت إلى الحيرة والتبلد، وعيالي إلى الهلكة والتلدّد، وما أقول إنّ حالا أتاها الوزير أيده الله في أمري إلا بحقّ واجب، وظنّ صادق غير كاذب؛ إلّا أنّ القدرة تذهب الحفيظة، والاعتراف يزيل الاقتراف، وربّ المعروف يؤثره أهل الفضل والدين، والإحسان إلى المسيء من أفعال المتقين.
وعلى كلّ حالة فلي ذمام وحرمة، وتأميل وخدمة، إن كانت الإساءة تضيعها، فرعاية الوزير تحفظها.