قالت: لا تصدّق ما لا يكون، ثم قالت: يا شقيّ، لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين هما خير لك من كنز. فعضّ على شفتيه متلهّفا ثم قال: علّميني الثالثة، فقالت: أنت قد أنسيت الثنتين فكيف أعلّمك الثالثة؟ ألم أقل لك: لا تلهّفنّ على ما فاتك ولا تصدّقنّ ما لا يكون؟ أنا وريشي ولحمي لا يكون وزنه درّتين، فكيف يكون في حوصلتي ذلك؟ ثمّ طارت فذهبت.
[عود إلى الأخبار]
٧١٦- قال الحجّاج يوما: عليّ بعدوّ الله معبد الجهنيّ، وكان في حبسه قد حبسه في القدر، فأتي به وهو شيخ ضعيف، فقال: تكذّب بقدر الله؟ قال:
أيّها الأمير، ما أحبّ إليك أن تكون عجولا، إنّ أهل العراق أهل بهت وبهتان، وإنّي خالفتهم في أمر فشهدوا عليّ. قال: وفيم خالفتهم؟ قال: زعموا أنّ الله تعالى قدّر عليهم وقضى قتل عثمان، وزعمت أنا أنّهم كذبوا في ذلك، قال:
صدقت أنت وكذبوا، خلّوا سبيله.
٧١٧- كان أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان يسير بالحاجّ في أيّام المقتدر، وكانت بينه وبين الهجريّ سليمان بن الحسن الجنابيّ وقعة بالهبير، فأسر أبا الهيجاء، ونفس به عن القتل لبأسه وفضائله، فاستحياه واستباح الحاجّ. وكان فيمن أسر العمّ، وهو عمّ السيّدة أمّ المقتدر. فلما حصلا عنده في بلده أكرم أبا الهيجاء وبسطه وأكثر من محاضرته. قال أبو الهيجاء في حديث طويل: فكنت أغضّ من العمّ عنده وأطنز به وبغيره ممّن حصل في الأسر من أصحاب المقتدر حتى استللتهم منه. ثمّ إنّه طمع في العمّ طمعا شديدا، واستعصى عليّ في إطلاقه خاصّة، حتى قلت له في بعض الأيّام: يدري السيّد بكم يقوّم هذا المخنّث على السلطان في كلّ سنة؟ قال: لا والله؛ قلت: إنك لو أردت أن تنكب صاحبه بأكثر من إطلاقه وإرساله لما قدرت. قال: وكيف؟ قلت: لأنّه يرزق منه في كلّ سنة لنفسه وولده وسبيه وهم قوم على صورته في التخنيث والبلاء، وهذا رأسهم في الثّكل والعمى، مائة ألف دينار، وفي يده من الأقطاع والأملاك ما ارتفاعه مائة ألف دينار، وتقضى له حوائج في السنة بمثلها، فيتهيّأ أن يكون في