«٧٥٢» - وكان عروة بن الزبير صبورا حين ابتلي. خرج إلى الوليد بن عبد الملك فوطىء عظما فلم يبلغ دمشق حتى ذهب به كلّ مذهب. فجمع الوليد الأطباء فأجمع رأيهم على قطعها، فقالوا له: اشرب مرقّدا، فقال: ما أحبّ أن أغفل عن ذكر الله تعالى. فأحمي له منشار، وكان قطعا وحسما، فما توجّع وقال: ضعوها [١] بين يديّ، لئن كنت ابتليت في عضو لقد عوفيت في أعضاء.
فبينا هو على ذلك أتاه نعي ابنه محمد، وكان قد اطّلع من سطح على دوابّ الوليد فسقط بينها فخبطته، فقال عروة: الحمد لله لئن أخذت واحدا لقد أبقيت جماعة. ولما عاد من سفره أتاه المعزّون وفيهم عيسى بن طلحة فقال: يا أبا عبد الله ما كنّا نعدّك للسباق، وما فقدنا منك إلّا أيسر ما فيك، إذ أبقى الله لنا سمعك وبصرك وعقلك.
«٧٥٣» - وقدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير، فسأله عن حاله وذهاب عينيه فقال: بتّ ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسيّا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد غير صبيّ صغير وبعير، وكان صعبا، فندّ فوضعت الصبيّ عن منكبيّ وتبعت البعير، فلم أجاوز حتى سمعت صيحة الصبيّ، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله، فاستدرت بالبعير لأحبسه فنفحني برجله فحطّم وجهي فذهبت عيناي، فأصبحت لا عين ولا أهل ولا مال ولا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أنّ في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه، ويتسلى.