٨٧٤- ابن العميد من رسالة كتبها إلى بعض إخوانه في الشمعة وربعة المصحف: زرت- أطال الله بقاء سيّدي- في هذه الأيام صدرا من صدور الكرام، قد ساعده زهو الشبيبة، وأسعده زمن اللهو والطيبة، وجنحت الأقدار لسلمه، وأسلمت لمراده وحكمه. يقول فيها: إذ دخل علينا واحد من خدمه ومعه شجرة قائمة على ساقها، عارية عن أوراقها، تحمل نارا، وتعيد ليلها نهارا، إن انتبهت استأنس جلّاسها، وإن قمصت تطلع رأسها، واقفة وما لها قدم، وناحلة وما بها من سقم، أرضها من فضة، ودموعها منفضة، تجمع أوصاف العشّاق، وتحكي اعتدال القدود الرّشاق. فلما انجلى بها الحندس، وأضاء عنها المجلس، حانت مني التفاتة فرأيت بين السماء والأرض شيئا بديعا، بطنه ساج، وفرشه ديباج، أطرافه كجيد الفتاة، وآثاره مسّ كعوب القناة، ولباسه خزائن البحار، وقلائده بضائع الأبرار والفجار، فهو موصول ومفصول، وإبهامه مقطوع ومأكول، نطاقه في صدره، وازراره من ظهره، فيه نفس بلا علل، وعين بلا مقل، وأذن بلا قذال، وقلب بلا طحال، قصيره كطويله، وجملته كتفصيله، يصغر وهو عظيم، ويمنع وهو كريم، ويحكم وهو غير حاكم، ويقطع وهو غير صارم، ويسبح وهو غير عائم، ويتّكئ وهو غير نائم، يجمع ألوان الأزهار والأنوار، ويدلّ على صورة الفلك الدوّار، يخبر عن غرائب الجواهر، ويؤذن بالدواهي والفواقر، مقيّد لم تمسّه السلاسل، ومخمل لم تدنّسه الغلائل، معلم الطرفين، أحمر الظواهر، أبلق البواطن؛ تضمّنته نيران لا