للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاض عليها من عند الله باللطف الخفيّ، والاصطفاء السنيّ، والاجتباء [١] الذكي، فهم يحلمون بالدنيا ويستيقظون بالآخرة، فتراهم حضورا وهم غيّب، وأشباها وهم متباينون، وكلّ صنف من هؤلاء مراتبهم مختلفة، وإن كان الوصف قد جمعهم باللفظ. وهذا كما تقول الملوك ساسة، ولكلّ واحد منهم في حاله خاصة، وهؤلاء شعراء ولكلّ واحد منهم بحر، وهؤلاء بلغاء ولكلّ واحد منهم أسلوب، وهؤلاء علماء ولكلّ واحد منهم مذهب.

«٧٠١» - وقيل: العقل عقلان: فعقل تفرّد الله عزّ وجلّ بصنعه، وعقل يستفيده المرء بأدبه وتجربته. ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلّا بصحة العقل المركّب في الجسد، فإذا اجتمعا قوّى كلّ واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة نور البصر.

٧٠٢- قال سهل بن هارون، فيما ترجمه عن الحكماء: إنّ المعرفة لا تحيط بمقدار عقل في إنسان، حتى إذا أراد واصف أن يصفه لم يتجاوز حدّه إلى زيادة ولم يقصّر عنه نقصان. وذلك أنّ العقل ثبات المعرفة، وقد يوجد الإنسان ثابت المعرفة بشيء وغير ثابتها بشيء آخر، فلا يقدر على إحصاء ما تثبت فيه معرفة المرء مما لا تثبت إلّا الخالق، غير أنّ قلوب ذوي الألباب موازين معرفتها لا يزن بها أحد بعد اختباره وصحة الفهم له إلّا كادت أن تضعه في ميزان عدل منها.

وللقلوب في ذلك بما طوّقت من الفهم فضل على الألسن بما طوّقت من النطق وإن كانت تراجمة للقلوب. ألا ترى أنّ قائلا لو اجتهد في وصفه لما أتى على كنه معرفة قلبه، وليس ذلك لكلال من اللسان يلزمه عيبه، ولكنّ الفهم ألطف منه مدخلا وأدقّ مسلكا.


[١] ح: والاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>