والمدح ذكر مخلّد وعمر مجدّد. وكانت العرب تراه عنوان فضلها، وسمة عقلها، قال شاعرهم:[من الطويل]
فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بأحسابنا إنّ الثناء هو الخلد
«٢» - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنة هرم: ما كنتم أعطيتم زهيرا حين قال فيكم ما قال؟ فقالت: أعطيناه قلائص تنضى وحللا تبلى، قال: لكنّ الذي أعطاكم لا يبليه الدهر.
«٣» - وأحسن المدح وقعا في الأسماع، وأعلقه بالأفواه، ما كان قصدا لا شطط ولا وكس، فإن صدّقه الممدوح بالفعال فهناك يسير مسير الشمس. وقد قال عليّ كرّم الله وجهه: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد. وما أقبح من استدعى مشهور الثناء وتصدّى لكشف الشعراء أن يتعرّض لقول القائل:[من الطويل]
وكنت متى تسمع مديحا ظلمته ... يكن لك أهجى كلّما كان أمدحا
وقد قال شاعر محدث:[من البسيط]
والشعر أهجاه للإنسان أمدحه ... إذا امرؤ قيل فيه غير ما فعلا
وحسبه أنّ الله تعالى ذمّه حيث أحبّ أن يحمد بما لم يفعل. وللشعراء عادة في التجوّز وتجاوز قدر الممدوح يغضى عنها إذا اقترنت بالإحسان، وتشغل عن