للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرتجعه الوالي بعدك، فنظر إليه نظر مغضب متعجّب ثم قال: يا مسلمة منعتهم إياه في حياتي وأشقى به بعد وفاتي؟! إن ولدي بين رجلين: إما مطيع لله فالله تعالى مصلح شأنه ورازقه ما يكفيه، أو عاص له فما كنت لأعينه على معصية؛ يا مسلمة إني حضرت أباك حين دفن فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من الله عز وجل هالني وراعني، فعاهدت الله أني لا أعمل مثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك طول حياتي، وأرجو أن أفضي إلى [عفو من] الله وغفران. قال مسلمة: فلما دفن حضرت دفنه، فلما فرغ من شأنه حملتني عيني فرأيته فيما يرى النائم وهو في روضة خضراء فيحاء وأنهار مطّردة، وعليه ثياب بيض، فأقبل عليّ وقال: يا مسلمة، لمثل هذا فليعمل العاملون، هذا أو نحوه.

[٣٢٩]- وكتب إليه الحسن البصري لما استخلف: من الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز- فقيل له: إن الرجل قد ولي وتغيّر فقال: لو أعلم أن غير ذلك أحبّ إليه لاتبعت محبّته- أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن، وكأنك بالآخرة لم تزل. قال: فمضى الرسول بالكتاب إليه، فإنه لعنده يتوقّع الجواب إذ خرج يوما غير جمعة حتى صعد المنبر واجتمع الناس، فلما كثروا قام فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس، إنكم في أسلاب الماضين، وسيرثكم الباقون، حتى نصير إلى خير الوارثين، كلّ يوم تجهّزون غاديا إلى الله ورائحا، وقد حضر أجله وطوي عمله، وعاين الحساب، وخلع الأسلاب، وسكن التراب، ثم يدعونه غير موسّد ولا ممهّد، ثم وضع يديه على وجهه فبكى مليا، ثم رفعهما فقال: أيها الناس من وصل إلينا بحاجة لم نأله خيرا، ومن عجز فو الله لوددت أنه وآل عمر في العجز سواء؛ قال: ثم نزل فكتب إلى الحسن: أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات، والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>